في قلب قرية صغيرة تحيط بها الغابات الخضراء والأشجار الشاهقة، عاش طفلٌ يُدعى سالم، مليء بالفضول وحب الاستكشاف. كان سالم فتى يحلم بمستقبل مليء بالمغامرات، ويتخيل نفسه في مواقف بطولية تنقله إلى عوالم جديدة. لياليه كانت تزخر بالأحلام؛ تارة يرى نفسه طيارًا يحلق عالياً في السماء الزرقاء، ينظر إلى العالم من فوق السحاب، وتارة أخرى يتخيل نفسه فنانًا يبدع لوحات تعبر عن جمال الطبيعة وروعة الإنسان، وأحيانًا كان يحلم بأن يصبح طبيبًا بارعًا، يخفف آلام المرضى ويعيد إليهم الأمل.
مع مرور الأيام، بدأ سالم يلاحظ أن بعض أحلامه، رغم روعتها، لم تتحقق، وأحس بثقل في قلبه. كان سالم يحب ليالي الصيف الطويلة التي كانت تمنحه وقتًا أكبر للجلوس بجانب نافذته المفتوحة، يتأمل السماء المليئة بالنجوم ويتحدث إليها كأنها أصدقاؤه المقربون. لكن تلك الحيرة بدأت تتسلل إلى نفسه؛ كان يتساءل بصدق: “أين تذهب أحلامنا التي لا تتحقق؟ هل تضيع في مكان ما؟ أم تظل عالقة في عالم غير مرئي؟”
لم يكن أصدقاؤه قادرين على تقديم إجابة شافية. شعر سالم بأن هذا السؤال يتطلب حكمة تفوق سنه، فقرر زيارة جدته التي كانت تعيش في بيت صغير على أطراف القرية. كانت جدته مصدرًا للمعرفة والحكمة، ودائمًا ما أدهشته بحكاياتها القديمة المليئة بالعبر والدروس.
عندما وصل سالم إلى منزل جدته، كانت تجلس على كرسيها الهزاز بجانب النافذة، تقرأ كتابًا قديمًا. اقترب منها ببطء، وقبل أن يسألها، كانت جدته قد شعرت بقلقه، وابتسمت له بابتسامة دافئة مليئة بالمحبة. طلب منها أن تجيب على سؤاله المحير: “أين تذهب أحلامنا التي لا تتحقق؟”
ابتسمت الجدة بحنان وقالت: “يا سالم، الأحلام جزء أساسي من حياتنا، مثل الهواء الذي نتنفسه. بعض الأحلام تتحقق بسرعة، وبعضها يتطلب وقتًا أطول، والبعض الآخر قد لا يتحقق أبدًا، لكن هذا لا يعني أنها تضيع أو تختفي. الأحلام التي لا تتحقق تبقى في داخلنا، تؤثر علينا بطرق قد لا ندركها في البداية.”
بدأت الجدة تسرد قصة لرجل عاش في قرية بعيدة. هذا الرجل كان يحلم منذ صغره بأن يصبح بحارًا كبيرًا، يجوب البحار ويكتشف جزرًا جديدة. لكن الظروف حالت دون تحقيق حلمه، واضطر للعمل كمزارع في قريته. في البداية، شعر الرجل بالخيبة والإحباط لأن حلمه الكبير لم يتحقق، لكنه مع مرور الوقت، أدرك أن حياته كمزارع كانت مغامرة بحد ذاتها. بدأ يشعر بالرضا والسعادة وهو يعتني بالنباتات، ويكتشف جمال الحياة من خلال عمله اليومي.
واصلت الجدة حديثها: “هذا الرجل أدرك أن حلمه لم يختفِ، بل تحول إلى شكل آخر. فبدلاً من أن يصبح بحارًا في البحار، أصبح بحارًا في الحياة. كل يوم كان يكتشف شيئًا جديدًا، وكان يجد سعادته في الأمور البسيطة التي لم يكن ليلتفت إليها لولا ذلك التحول.”
فكر سالم بعمق في كلمات جدته وسألها: “هل يمكن أن تتحول أحلامي التي لم تتحقق إلى شيء آخر في حياتي؟”
أجابت الجدة بحكمة: “نعم، يا سالم. أحيانًا الأحلام التي لا تتحقق تقودنا إلى طرق جديدة لم نكن نتوقعها. ربما تجد نفسك تحقق جزءًا من حلمك بطرق غير متوقعة، أو ربما تكتشف أن لديك شغفًا جديدًا كنت تجهله. المهم هو ألا تتوقف عن الحلم، وألا تسمح للإحباط بأن يسيطر عليك.”
أحس سالم بالراحة بعد حديثه مع جدته، وبدأ يرى أحلامه بمنظور جديد. أدرك أن الأحلام التي لم تتحقق ليست سببًا للحزن، بل هي فرصة للنمو والتعلم. بدأت تلك الأحلام تتحول إلى مصدر للإلهام، تقوده إلى اكتشاف ذاته وميوله الحقيقية.
مع مرور الوقت، لاحظ سالم أن بعض أحلامه بدأت تتحقق بطرق لم يكن يتوقعها. حلمه بأن يصبح طيارًا لم يتحقق حرفيًا، لكنه بدأ يدرس الهندسة وأصبح مغرمًا بتصميم الطائرات، مسهمًا بذلك في تحسين حياة الناس. وحبه للفن تحول إلى شغف بالتصوير الفوتوغرافي، حيث كان يلتقط صورًا رائعة للطبيعة ويشاركها مع العالم.
كبر سالم، وأصبح يفهم أن الأحلام ليست مجرد أهداف نسعى لتحقيقها، بل هي إشارات ترشدنا في رحلتنا عبر الحياة. كان يعرف أن كل حلم، سواء تحقق أم لا، هو جزء من تلك الرحلة، يساعدنا في اكتشاف من نحن وما نريد أن نكون. وعندما كان يفكر في حلم لم يتحقق، كان يبتسم، متذكرًا أن الحياة مليئة بالفرص والمفاجآت، وأنه يمكن دائمًا العثور على سعادة ورضا في كل خطوة نخطوها.
وفي أحد الأيام، جلس سالم بجانب نافذته كما كان يفعل في طفولته، يتأمل السماء المليئة بالنجوم. شعر بالسلام الداخلي والرضا، وعرف أن الأحلام هي نور حياتنا، سواء تحققت أم لم تتحقق. إنها تمنحنا الأمل، وتعلمنا أن نرى الجمال في الرحلة نفسها، وليس فقط في نهايتها. وبينما كان ينظر إلى النجوم، أدرك أن الحلم الحقيقي هو أن نعيش حياتنا بكل حب وشغف، نكتشف خلالها جمال الأشياء البسيطة ونستمتع بكل لحظة.
Reviews
There are no reviews yet.